الجــلاد

الشخصيات :

ابن الجلاد

الزوجة

الملثم

صاحبه

المأمور


 

((غرفة في بيت / تحوي : نافذة (على اليسار)، باب (على اليمين)، باب (في الوسط)، طاولة وكرسيين يحيطان بها / يدخل رجل وهو في حالة عصبية، سنطلق عليه اسم الابن (ابن الجلاد) يتقدم نحو النافذة بخطوات بطيئة / ينظر من خلال النافذة / يرجع إلى الوراء وكأنه قذف بحجارة )).

 

الابن

:

انتم مجانين.. لستم سوى مجانين.

 

((يسدل الستارة على النافذة ))

 

 

مجانين .. مجانين

((تدخل زوجته، تصغره سنا، سنسميها الزوجة ))

الزوجة

:

رموك بالحجارة مرة أخرى.؟

الابن

:

مجانين.. ليسوا سوى حفنة مجانين لا تستطيع نسيان ما حدث

الزوجة

:

نصحتك أن لا تقترب من النافذة

الابن

:

ماذا أفعل وأنا لا أملك متنفسا سواها.. ألا تلاحظين ما أنا فيه، إنه سجن ليس إلا..

الزوجة

:

عن أي سجن تتحدث.؟

الابن

:

هذه الغرفة التي نحن فيها.

الزوجة

:

ولكنك تستطيع الخروج متى تشاء.

الابن

:

(( ساخراً )) كي تتلقفني بنادقهم وهو جل ما تطمحين..

الزوجة

:

لن أرد عليك.. يكفيك ما أصابك مما تستحق..

الابن

:

وما ذنبي أنا..

الزوجة

:

أنت ابنه.. عليك أن لا تنسى أنك ابن الجلاد..

الابن

:

ولكنه مات.

الزوجة

:

نار غلهم لم تمت بعد، فقد كان أبوك سفاك دماء.

الابن

:

أبي.. أنت تقولين أبي، وليس أنا.

الزوجة

:

سخط الناس عليه وغضبهم الممزوج بنار الحقد، يدخل ضمن تركته التي ورثتها عنه، وعلى قدر ما اعلم، أنت وريثه الوحيد.. يا.. ابن الجلاد.

الابن

:

((بنبرة عالية)) ابن الجلاد.. ابن الجلاد.. ابن الجلاد.. سئمت سماع هذه العبارة.. كم أحتقرها، ولكن (( يستدير نحو زوجته بنبرة هستيرية )) ألا تبدو علي ملامح أبناء الأرض.. أم أنني ولدت مسخاً من حيث لا أدري.

الزوجة

:

لا هذا ولا ذاك، فقط أنت تؤدي ما على أبيك من دين.

الابن

:

لقد كانت وظيفته التي يتقاضى عليها الأجر.

الزوجة

:

لا تتذمر إذن، واقنع بما أنت فيه، ما دمت تتلمس له الأعذار.

الابن

:

إنه أبي.

الزوجة

:

ومن منا ليس له أب.!

الابن

:

لم أقصد هذا، تعلمين ذلك.. قصدت فقط أن أقول،إن وظيفته كوظيفة المعلم الذي يربي التلاميذ وكالطبيب الذي يعالج المرضى وكالتاجر الذي يبيع ويشتري وكالشرطي الذي يقبض على اللصوص والمجرمين.. كذلك أبي من ينفذ فيهم حكم الإعدام.

الزوجة

:

وهل جميع من في السجن يستحقون الإعدام.؟

الابن

:

إنه ينفذ الأوامر.

الزوجة

:

كان عليه أن يرفض.

الابن

:

سيودي بنفسه وبنا إلى التهلكة.

الزوجة

:

وهل كنا سنواجه مصيراً أقسى مما نحن فيه؟

الابن

:

(( يثور))  لا أعرف.. لا أعرف..

الزوجة

:

حسناً.. اهدأ الآن وتمالك نفسك.. الناس بحاجة إلى وقت كي يتناسوا ما حدث.

الابن

:

مضت سنوات وأنا على هذه الحال، لا شيء تبدل.. لم لا ينفذون بي الحكم الأصلح.؟

الزوجة

:

أن يقتلوك.!

الابن

:

هذا كل ما أتمناه.

الزوجة

:

ما سمعتك تردد كلماتك هذه، عندما كان أبوك على قيد الحياة.

الابن

:

لم أكن بحاجة لها.

الزوجة

:

إنه خطأك الأكبر.. كان عليك أن تحتاط لهذا اليوم.. اهدأ.. عليك أن تحتفظ بصحة جيدة.. فزمن بقائك هنا لا يعلمه إلا الله..

 

 

الإنارة تخفت لتعلو في زاوية من المسرح

يدخل رجل متلثم بوشاح يغطي كامل وجهه إلا عينيه

يسير وهو يتلفت يميناً ويساراً قلقاً

 

ينظر إلى المكان الذي دخل منه

ويشير إلى الخارج بيديه للدخول

يدخل شخص آخر سنسميه "صاحبه"

 

صاحبه                 : أنا مندهش لتصرفاتك هذه.. ما الذي تنوي فعله؟

الملثم                    : هش.. ((يشير عليه بأن يسكت)) لا ترفع صوتك

صاحبه                 : هل نحن هنا لنسرق؟

الملثم                   : لسنا لصوصاً كي نفعل هذا

صاحبه                 : أريد تفسيرا لغرابة ما تفعله

الملثم                   : إنه مكان هادئ وأمين ومناسب لشرح تفاصيل الخطة

صاحبه                 : (مستغرباً) خطة.. أي خطة؟

الملثم                   : خطة القتل

صاحبه                 : القتل؟؟

الملثم                     : يجب أن نتخلص منه.. يجب أن تعود إلينا حريتنا.. هذا مبدأنا الذي  اتفقنا عليه وأنت وافقت على ذلك

صاحبه                 : أنا لا أفهم شيئاً مما تقول

الملثم                   : (غاضباً) جبان ومتردد وربما تكون مدسوساً علينا

صاحبه                  : (في حالة استغراب أكثر) مدسوس وجبان.. ما الذي يجري؟

الملثم                   : لا أفضل إعادة الكلام مرتين.. القتل.. القتل

صاحبه                 : (ساخراً) اعرف القتل.. القتل.. ولكن نقتل من؟ ولماذا؟

الملثم                   : نقتل الجلاد

صاحبه                 : (يغص في ضحكة قوية)

الملثم                   : لم أقرأ عليك طرفة أو حدثتك عن نكتة

صاحبه                 : بل هي أسخف نكتة سمعتها في حياتي

الملثم                   : أصدقني القول.. هل كنت في السابق أطرش؟

صاحبه                 : (يستمر في الضحك)

الملثم                   : ما المضحك في ما أقول؟

صاحبه                 : أنت تريد قتل الجلاد.. أليس كذلك؟

الملثم                   : كل من في هذه المدينة يتمنى قتله.. ونحن اليد التي ستنفذ

صاحبه                 : فلتقطع هذه اليد.. فلم نعد بحاجة إليها

الملثم                   : (يشير إليه بوجهه مستفهماً)

صاحبه                 : الجلاد مات

الملثم                   : (يضحك بقوة)

صاحبه                 : أقسم أنه مات

الملثم                   : عليك أن تكفر عن يمينك الكاذب هذا

صاحبه                 : لقد مات.. الجلاد مات.. صدقني

الملثم                   : (بنبرة عالية) الجلاد لا يموت.. الجلاد يُقتل

صاحبه                 : لكنه مات.. صدقني.. لقد شاهدت جنازته بعيني هاتين

الملثم                    : كلا.. كلا.. أنت تريد أن تثنينا عما نريد القيام به.. جبنك جعلك تتوهم موته.. كي تتخلى عن كل اتفاقاتنا

صاحبه                 : اسأل أي شخص في المدينة سيخبرك بأن جلادها قد..

الملثم                     : (يقاطعه) لا تكمل.. أنت كذاب محتال.. إما أن تكون معنا أو تلتحق بخوفك..

صاحبه                 : أنا معكم.. ولكني أردت أن أخبرك بأن..

الملثم                    : (يقاطعه) اسكت إذن.. ولا تترك نفسك عرضة للشائعات.. والآن اقترب مني.. دعني اشرح لك الخطة..

 

الإنارة تخفت عليهما

وترتفع على ابن الجلاد وزوجته

 

((يسير رافعا رأسه إلى الأعلى ومنتصب القامة، كأنه ملك زمانه ))

 

الابن

:

الجميع يهابني.. صغيرهم قبل كبيرهم.. رجالهم قبل نساءهم.. كنت أسمعهم يتهامسون.. ويكلم بعضهم بعضاً، فهم لا يجرؤون على توجيه بصرهم نحوي.. أتبختر كالطاووس في الأسواق.. حتى الأرض التي أطؤها لم تقدر على مجاراة زهوي.. والخادم ورائي ينتظر مني الإشارة.. ((يتخيل نفسه في السوق))

-                     كم ثمن قطعة القماش هذه.؟

 

((يقلد صوت البائع))

 

-                     إنها ليست للبيع، إنها مصنوعة لتُهدى..

((بصوته))

-                     كم ثمنها.؟

((يقلد صوت البائع))

-                     كلا يا سيدي، إنها لك وبلا مقابل.

((يعود إلى وضعه الطبيعي))

لم أدفع ثمن بضاعة اشتريها.

الزوجة

:

وتقول لا ذنب لي فيما فعله أبي

الابن

:

هم الذين كانوا يرفضون أخذ المال مني

الزوجة

:

خوفهم من بطش أبيك.

الابن

:

(( بكبرياء)) حتى أنت.. لم تقبلي بي زوجاً لو لم أكن ابن الجلاد..

الزوجة

:

أشفقت على أبي مما قد يصيبه لو أنني رفضت.

الابن

:

((يقترب من زوجته)) ولكني اختلف عنه تماماً.. أنت تشهدين بذلك.

الزوجة

:

((تنظر إليه)) ربما كان صحيحاً.. ولكن الناس لا يدركون هذا.. فهم يؤمنون بأن الولد سر أبيه.

الابن

:

((يصرخ)) أغبياء وحمقى ومعتوهون..

الزوجة

:

لا تصرخ.. كي لا يسمعوك، فالدماء لا زالت تملأ أفواههم فأبوك..

الابن

:

((يقاطعها)) تتحدثين عن أبي وكأنه طاغية أو مصاص دماء أو آكل لحوم البشر.. 

الزوجة

:

بل هو أفظع من ذلك.. كان عليه أن يترك هذه الوظيفة النجسة القذرة..

الابن

:

ليأتى الحاكم بجلاد آخر يحل محله؟.. أم أنكم تريدون مدينة بلا جلاد..

الزوجة

:

ولكن أباك..

الابن

:

((يقاطعها)) كفاك طعناً بأبي، لقد غادرنا إلى غير رجعة ((يسير قليلا)) ليرحمه الله.. ((يضحك)) كلمة لم اعتد سماعها.

الزوجة

:

هذا صحيح.. فأنت فقط من توهم نفسك بأن الله سيرحمه..

الابن

:

((يثور)) ليذهب إلى الجحيم إذن..

الزوجة

:

اهدأ.. ودعنا نتناول غداءنا.

الابن

:

((ينظر إلى الطعام)) كيف حصلت على هذا الطعام الفاخر.

الزوجة

:

أظنك نسيت أن أبي يحظى بحب أهل المدينة واحترامهم.. كما أنه..

الابن

:

((يقاطعها)) كبيرهم الذي علمهم السحر.. هو من يحرض الناس علي.

الزوجة

:

بل هو من أبقى على حياتك.. إكراماً لي أنا.

الابن

:

أنت وهو تستحقان قطع رؤوسكما.. أجل، فأنت تضمرين لي العداء، وسوف تسرين كثيراً عندما ترينني ألقى حتفي.

الزوجة

:

لا عجب فيما أسمعه.. فأنت ابن الجلاد.

الابن

:

خذي غداءك هذا.. اغربي عن وجهي.

الزوجة

:

لك ما تريد، ((تضع الطعام أمامه)) هذا طعامك وهذا شرابك، لا ألومك فيما تفعل، فكل من في المدينة يرفض حتى النظر في وجهك.

الابن

:

((يضرب مائدة الطعام بيده)) اغربي عن وجهي.. اخرجي.. لا أريدك بجواري.

الزوجة

:

لا طاقة لي بك بعد الآن.. لن أصبر على ظلمك.. كان علي أن أستمع لأبي حينما طلب مني أن أفارقك..

 

 

 

((الإبن لا يرد))

 

 

 

كنت واهمة عندما ظننت أنني بدأت أحبك.. الحياة معك لا تطاق.. أنا ذاهبة ولن تراني بعد اليوم..

 

 

((تخرج الزوجة))

 

 

الإنارة تخفت لتعلو في زاوية من المسرح

الملثم وصاحبه يضحكان بصوت خافت

وهما ثملان

 

الملثم                   : هش.. يبدو أن الشرب أثر على أدمغتنا وجعلنا نضحك دون تحفظ

صاحبه                 : اضحك كما تشاء.. لا شيء يخيفنا بعد الآن (يستمر في الضحك)

الملثم                   : والجلاد.. نسيت أمر الجلاد

صاحبه                  : (مجارياً له في الكلام) هذا صحيح.. الجلاد حي كما اتفقنا.. ويجب علينا قتله

الملثم                   : جميل أنك اقتنعت بهذا..

صاحبه                 : ومتى سننفذ العملية؟

الملثم                   : لم يحن الوقت بعد

صاحبه                 : ومتى سيحين الوقت؟

الملثم                     : عندما تكون الظروف مناسبة.. لا تفكر في هذا الأمر كثيراًً.. المهم أننا نخطط وندبر ونكيد

صاحبه                  : وما فائدة كل الخطط والمكائد إن كنا نتكلم فقط.. يجب أن نحرك ساكناً؟

الملثم                   : أنا ساكن في بيت في وسط المدينة (يضحكان)

صاحبه                 : لم تخبرني.. كيف هي تجارتك؟

الملثم                   : تركتها.. إنها مضيعة للجهد والوقت

صاحبه                   : تعيش من التسول إذن؟

الملثم                     : أنت واهم يا صاحبي.. أنا الآن أغنى أغنياء المدينة.. وبمجرد النظر إلى بيتي ستعرف أنني لا أكذب

صاحبه                   : نحن صديقان.. أليس كذلك؟

الملثم                   : قضيتنا التي نحارب من أجلها واحدة

صاحبه                 : إذن أخبرني كيف كونت ثروتك؟ لعلي أكون مثلك

الملثم                     :من الأفضل أن لا تسأل عما لا يخصك.. أخبرني.. هل الجميع جاهزون لتنفيذ العملية؟

صاحبه                 : الكل على أهبة الاستعداد.. إنهم ينتظرون منا الإشارة

الملثم                   : هل دفعت لهم أجورهم؟

صاحبه                 : وفوقها زيادة

الملثم                   : حسناًً.. أبقهم على استعداد.. ربما ننفذ الخطة الليلة

صاحبه                 : (مرتعباً) الليلة!!

الملثم                    : أو الغد.. أو ربما الشهر القادم أو السنة القادمة.. (يضحك.. يتوقف عن الضحك. يتكلم بتكلف وخداع) المهم أننا سننفذها يوماً ما.. لا تقلق.. نحن نسير في الاتجاه الصحيح..

 

(يضحك بقوة)

 

 

 

 

تمتزج ضحكاته مع صرخة 
ابن الجلاد

 

 

الإبن

:

((يتوقف عن الضحك)) لماذا علي أن احتمل كل هذا.. كره الناس يلاحقني.. وغضبهم يشاطرني المسكن.. أبي، أبي من أوصلني إلى كل هذا.. شبحه في كل مكان.. حتى أني أكاد أحس بسوطه يرتفع في الهواء ليهوي به على ما تبقى من عمري.. لم يترك لي حياةً أعيشها بعده.. أنا ابنه، أخطر آفة تنتظر إبادتها.. أم أن هذا قدري.. كلا.. فالقدر هو السبيل الذي نختاره نحن بإرادتنا.. وأبي قد اختار طريقي.. ماذا أفعل.. ماذا أفعل.. عمري يمضي عبثاً ينتظر العفو ممن لا يرحم..

((يستدير)) يجب أن أضع حداً لكل هذا.. سأخرج إليهم.. أجل، سأخرج حتى لو كلفني ذلك حياتي..

 

((يتقدم باتجاه الباب ثم يقف))

 

 

 

أخشى ما ينتظرني في الخارج.. ((غاضباً)) لقد انتزعوا مني حتى قدرتي على المواجهة.. ((مرتعباً)) دماؤهم.. دماؤهم تتراءى أمام ناظري.. أستطيع أن أشعر بوجودهم.. إنهم يسمعونني.. إنهم يروني.. بل هم الآن معي.. يرقبون كل تحركاتي.. أسمعهم يطالبون بالدية.. ((يتراجع خطوة إلى الوراء)) ابتعدوا.. ابتعدوا.. لست أنا قاتل أبنائكم.. لست أنا من رمل نساءكم.. ابتعدوا.. ابتعدوا..

 

((يسقط منهاراً على الأرض ورأسه منكساً))

 

 

 

((يرفع رأسه))

 

 

 

حتى زوجتي.. رغبت عني وتركتني وحيداً أواجه مصيري..

 

 

((يعتدل / يقف)) سأحاول معهم.. أجل لعلهم يستجيبوا لي ويصفحوا عني.. أجل.. سأجعل منها محاولتي الأخيرة.. لا شيء أخسره..

 

 

 

((يتقدم بخطوات بطيئة باتجاه النافذة / يتوقف ))

 

 

 

ولكن ما الذي سأقوله لهم.. ((يستدير / يتوقف في وسط المسرح))

 

 

 

أيها الإخوة ))وكأنه يخطب)) أنا بحاجة لأن تسمعوني.. أرجوكم.. أتوسل إليكم.. اجعلوها آخر ما تسمعوه مني.. وأعدكم.. لن تشعروا بوجودي بعد الآن.. ((يسير قليلا باتجاه الباب)) إني اليوم مقر ومعترف بما أرتكبه أبي في حقكم.. وأعلن أمامكم.. أنه مجرم يستحق العقاب.. ولكنه الآن خارج عن حدودنا الدنيوية.. أدرك مقدار آلامكم.. كما أعرف قدر غضبكم وحنقكم عليه.. فقد يتم ورمل وشرد.. ولكن.. هل سألنا أنفسنا مرة، لقد كان يقوم بما يؤمن له ولعائلته ما يعيشون به.. إنها وظيفته التي يتقاضى عليها أجراً.. وله العذر بان يؤدي عمله بأمانة..

اليوم.. فقط، أريد أن أقول لكم، إنني على استعداد لان أتحمل كل وزر ارتكبه أبي.. كل من له في ذمة أبي شيء، فليتقدم إلى باب بيتي، حتى لو كلفني ذلك روحي التي بين جنبي، خذوا بيتي.. خذوا مالي، خذوا كل ما أملك.. أو ما يمكن أن أملك.. فانتم تعلمون ضخامة الثروة التي تركها لي أبي.. والتي تحرموني من الاستمتاع بها.. خذوها كلها لكم.. فقط، اصفحوا عني، واغفروا لي ذنبي الذي لم أرتكبه.. إنه أبي، وهو الآن في قبره يتعذب..

كما أعدكم بأني جاد في التكفير عن كل ذنوبه بحقكم.. ما استطعت..

كل بيت يتّم أبناءه، سأكون لهم الأب.. أعينهم على مصائب الحياة..

كل زوجة ترملت.. أنا كفيل بالدفاع عن حرمة بيتها بكل ما أملك..

كل والدة ثكلت ولدها.. سأكون لها ذاك الولد الذي تؤدبه وتضربه حتى يبر بها..

 

 

 

.. من اجل إعادة ما بيننا من ود.. وأنا الآن أمامكم.. ولو أنكم عدتم إلى رميي بالحجارة ما برحت مكاني هذه أبدا.. ومن كان في قلبه شك مما ادعيته.. فليستأنف رميي بالحجارة.. وعفا الله عما سلف

 

 

 

((يسير قليلا/ بنبرة اعتيادية)) خطبة بليغة.. يا حبذا لو يسمعوها.. ولكن، لا بد لهم من سماعها هذه المرة.. هذا كل ما اطمح إليه..

 

((يستدير نحو النافذة

يسير باتجاهها / يتوقف ))

 

لن تكون أول حجارة أرمى بها.. ولكني سأعمل على جعلها الأخيرة..

 

 

 

((يتقدم من النافذة

يرفع الستار / يفتح الشباك ))

 

 

 

((بصوت عالي))

 

 

:

يا إخوة ((يبدؤون برمي الحجارة عليه))

 

 

اسمعوني.. يجب أن تسمعوني.. ((يتزايد الرمي))

 

 

كفوا عن هذا.. أريد.. أريد أن أتحدث إليكم..

 

 

 

((يزداد الرمي أكثر وأكثر))

 

 

 

((يرجع إلى الوراء / يعود إلى وسط المسرح)) لقد فقدت كل أمل لي معهم.. نار غلهم لازالت تشتعل..

 

 

 

((يسمع طرق على الباب))

 

 

:

((مرتعباً)) إياكم وان تقتحموا حرمة بيتي.. أنا أحذركم.. كفاكم ما فعلتموه بي من أذى.. ((يسقط على الأرض))

ابتعدوا.. ابتعدوا..

 

 

 

((صوت من خارج المسرح لمأمور الحاكم))

 

المأمور

:

هدأ من روعك يا هذا..

الابن

:

من أنت.؟

المأمور

:

أنا مأمور من الحاكم، ولي رسالة لك من عنده..

الابن

:

((مستغرباً)).. ألقها من تحت الباب.. فأنا لن أقابل أحداً..

المأمور

:

لا يصح هذا التصرف مع مأمور أرسل من قبل الحاكم.. كما أن الرسالة شفهية

 

 

 

((الإبن يعتدل / يقف

يسير متوجساً نحو الباب

 يفتح الباب / يدخل مأمور الحاكم

وهو يرتدي ثيابه الرسمية))

 

المأمور

:

مرحباً

الابن

:

((متوجساً)) ماذا تريدون مني.؟

المأمور

:

شكلك قد تغير كثيراً.. ((ساخراً)) أنت بهيئتك هذه تشبه الفار المذعور الذي يخشى الوقوع في المصيدة..

الابن

:

دعك من شكلي وأخبرني.. ما الذي أتى بك إلي.. وأي رسالة هذه التي تحملها.؟

المأمور

:

الحاكم يطلب رؤيتك.

الابن

:

((مرتعباً)) وما الذي يريده مني.؟

المأمور

 

إنه أمر هام للغاية..

الابن

:

هل لي أن أعرفه.؟

المأمور

:

من الأفضل أن يخبرك الحاكم بنفسه.

الابن

:

لن أبرح مكاني حتى أعلم ما يريده مني..

المأمور

:

حسن.. لك ما تريد.. (متباهياً) إن حاكمنا المبجل.. يقرؤك السلام.. ويأمرك بأن تتوجه من فورك إلى سجن البلدة..

الابن

:

((غاضباً)) يريد أن يسجنني.؟

المأمور

:

لتأخذ مكان أبيك..

الابن

:

لا أفهم ما تقول..

المأمور

:

بأمر من حاكمنا المعظم.. لكونك الأصلح لها.. ولبقائها شاغرة منذ وفاة أبيك، تقرر تعيينك في المنصب ذاته.. جلاد المدينة..

 

 

 

((يتفاجأ / يستدير نحو النافذة.. ينظر إليها ))

 

الابن

 

:

 

ولكني لا أستطيع أن..

المأمور

:

((يقاطعه)) لا جدال ولا نقاش في هذا الأمر.. ما عليك سوى الطاعة.. وتنفيذ الأمر.. وقد أمر فخامته بان يكون هذا السوط (يرفعه من حزامه) هدية لك.. باعتبار أنه كان لأبيك والآن صار إليك.. وأنت أحق به وأولى..

 

الابن

المأمور

 

الابن

المأمور

 

الابن

 

المأمور

:

:

 

:

:

 

:

 

:

كلا.. لا أريد للزمن أن يتكرر..

((ساخراً)) إذن ابق كما أنت، أضحوكة المدينة.. أراض أنت بحالك هذا..

ولكنهم ما يزالون..

((يقاطعه)) إنها فرصتك، لتعود إلى عزك.. كما أنك لا تقدر على إضاعتها

أعطني مهلة للتفكير في الأمر.

 

هيا.. لا داعي لكل هذا.. ((يرمي السوط على الإبن)).. ((بزهو)) والآن امضِ إلى منصبك الجديد.. يا جلاد المدينة.

( الإبن يمسك السوط بيديه  / يتحسسه / ينظر إلى الأمام/ ينظر إلى النافذة / يستدير نحوها / يسير باتجاهها وكأنه واقع تحت تأثير تنويم مغناطيسي / ينظر من خلال النافذة / يُرمى بالحجارة مرة أخرى)

 

(يرفع سوطه إلى أعلى ليهوي به على النافذة )

((يتوقف رمي الحجارة))

 

 

 

الإنارة تخفت لتعلو في زاوية من المسرح

 

الملثم وصاحبه

 

صاحبه                           : أخيراً اقتنعت بأن الجلاد مات..

الملثم                             : أجل اقتنعت..

صاحبه                           : هذا جيد.. لقد تولى إبنه الوظيفة بدلاً عنه

الملثم                              : كنت واثقاً من أنه سيقتل

صاحبه                           : قتل أو مات على فراشه لا فرق.. المهم أنه أصبح لمدينتنا جلاد جديد

الملثم                           : ويجب أن يقتل

صاحبه                         : ماذا؟

الملثم                           : الجلاد الجديد.. يجب أن يقتل

صاحبه                         : ولكنه لم يجلد أحداً بظلم حتى الآن

الملثم                            : يجب أن نحمله على الظلم.. يجب أن يظلم.. يجب أن يَقتل ويجلد ويشرد

صاحبه                         : لا أفهم كلمة واحدة مما تقول

الملثم                            : (ينظر إليه ساخراً) لو أنك تفهم لكنت الآن مكاني.. ولو أنك تستوعب أفضل مما أنت عليه الآن..  لقتلتك في الحال

صاحبه                         : أنت مجنون؟

الملثم                            : بل أنا العقل نفسه.. دعنا من سخافاتك هذه واجمع الرجال الليلة.. كي نتفق على خطة

صاحبه                         : خطة ماذا؟

الملثم                           : خطة القتل.. سنقتل الجلاد

 

 

يستمرون في الحديث والستارة تبدأ بالانغلاق

حتى تنغلق بكاملها وهم ما يزالون مستمرين في حديثهم

 

 

الملثم                     : يجب أن نتخلص منه.. يجب أن تعود إلينا حريتنا..

صاحبه                 : لا أفهم

الملثم                   : (غاضباً) جبان ومتردد وربما تكون مدسوساً علينا

صاحبه                  : (في حالة استغراب أكثر) مدسوس وجبان.. أخبرني.. عن أي موضوع تتحدث؟

الملثم                   : لا أفضل إعادة الكلام مرتين.. القتل.. القتل

 

 

 

إظلام

ستـــار