الليلة الأبدية



(قصر كبير تحيط به أسوار عالية. جماعة كبيرة من الضيوف يجلسون حول موائد مليئة بأصناف الطعام والشراب. موسيقى صاخبة تصدح في المكان. يتقدم أحد الضيوف نحو صاحب القصر)

- الضيف: أيها الحاكم السعيد, هذه الليلة لا تشبه باقي الليالي, نريدها أن تطول إلى ما لا نهاية, لا نريد أن تطلع علينا الشمس..

- الحاكم (معجبا بنفسه مثل الطاووس): سنلزمها بأن تدوم..سنجعل منها ليلة أبدية...

- الضيف (ينحني تعظيما لصاحب القصر): الأبد...هذا هو مطلب الناس منذ غابر الزمن..ليلة أبدية! ما لها من فكرة مثيرة!..

(تتقدم إحدى الجواري وهي تحمل طبق فاكهة ناضجة, تضعها أمام يدي صاحب القصر, ثم تنسحب بصمت)

- الضيف (ضاحكاً): كم ستكفينا من الفاكهة في هذه الليلية الأبدية أيها الحاكم؟! أخشى ما أخشاه هو أن تنفد الفاكهة, وينعدم الطعام والشراب قيل أن ينفد ليلنا الأبدي..
- الحاكم (يقاطعه بصوت متفاخم): سنجعل كل شيء أبدياً في هذه الليلة, الطعام والشراب والموسيقى...كل شيء سيكون أبدياً...كل شيء..(ثم مخاطباً كل الضيوف) هيا تنعموا بزهرة الحياة...هذه ليلة أبدية أيتها الكائنات المنذورة للفناء..

(تنبعث في أوساط الضيوف صيحات الغبطة والمرح, تجري التعليقات على لسان بعض الضيوف المجتمعين حول إحدى الموائد)

- الضيف العجوز: ليلة أبدية!؟ أتصدقون ذلك؟ هذا الحاكم فقد عقله...لقد أفرط في الشراب كعادته كل ليلة...سنرى ماذا سيفعل حين تشرق عليه الشمس في الصباح, حينها ستزول ليلته كما زالت جميع لياليه السابقة..
- الضيف الصموت: لسان المرء عدوه!..
- الضيف العجوز: لا خير في لسان عاطل عن الكلام, أنت تحسن تلويك الطعام بين شدقيك و لا تحب تلويك لسانك مثل باقي الناس...هل صمتك حكمة أم نقمة؟ فكر ملياً في الأمر..

يقف فجأة عشرة جنود, ينقضّون على الضيف العجوز من حيث لا يحتسب, يقيدونه بقسوة, ويسوقونه إلى الحاكم)

- الحاكم: بلغني أنك تشك في قراري بجعل هذه الليلة أبدية! أهذا ما علَّمَتكَ إياه حكمتُك أيها الشيخ التافه؟ تدخل قصري وتحضر في وليمتي, وتتكلم فيَّ بما لا أحب؟
- الضيف العجوز: حاشا أن أتحدث عنك بما لا تحب أيها الحاكم العظيم! لا أحد يملك الجرأة على ذلك سواء في حضورك أو غيابك..أنا فعلا شيخ تافه يا مولاي, وأنت أكبر من أن تؤاخذ شيخاً تافهاً مثلي..أنت لا تشغل نفسك بالأشياء التافهة, بل تشتغل بالأمور العظام يا مولاي كأن تجعل من هذه الليلة ليلة أبدية..

(تظهر علامات التعاظم والرضا على وجه الحاكم, يشمخ برأسه نحو السماء)

- الحاكم: قد سمعت منا وسمعنا منك أيها الشيخ التافه...تفاهتك أنقذتك من بطشي...اذهب فقد عفونا عنك عفو المقتدر..
- الضيف العجوز: أدام الله عزك ورفع قدرك وأعلى ذكرك...أنت نعم الحاكم وأنا أتفه شيوخ الأرض..عفوك منة في عنقي..
- الحاكم (مغتبطاً): أنت تحسن المدح وتتقن فن الاعتذار, لذلك قد أمرنا لك بمائة ألف دينار...
- الضيف العجوز(مقاطعاً بتذلل): بما أنك أَسْبَلْتَ عليَّ مغانم كرمك يا مولاي, فأَكمِل كرمك يا مولاي ومُرْ لي بجارية صبوح الوجه, شقراء الشعر, ممتلئة الردفين, مكتنزة الشفتين يا مولاي...
- الحاكم (ضاحكاً بصخب): قد أعطيناك ما طلبت أيها الشيخ الأخرق التافه..هاهاهاها...

(يمضي الشيخ وهو يتراقص من الفرح, يظهر الجنود من جديد وهم يجرون الضيف الصموت بشراسة ويقودونه إلى الحاكم)

- رئيس الجند: أدام الله عزك أيها الحاكم العظيم, لقد جئناك بهذا الرجل بتهمة أنه يتستر عما في نفسه خلف ستار الصمت..
- الحاكم (متغاضباً): أتتستر خلف الصمت وأنت في مدار حكمي ومرمى سطوتي؟ ألا تعلم أن الصمت جرأة وأن التستر تهمة؟ لقد قررت أن أجعل من هذه الليلة ليلة أبدية, فما قولك في ذلك؟..
- الضيف الصموت: القول قولك يا مولاي..
- الحاكم: أنا أعلم الناس بأن القول قولي, لكن ما قولك أنت؟
- الضيف الصموت: لا قول لي إلا من قلته يا مولاي
- الحاكم: وأنا أمرتك أن تقول ما لديك وإلا قطعت لسانك وانتزعت لهاتك..
- الضيف الصموت: أنت قدرتَ فقلتَ يا مولاي, وأنا عجزتُ فصمتُّ...أيكفيك هذا يا مولاي؟
- الحاكم: كفاني منك صمت العاجز, وكفاك مني عفو القادر (ثم موجهاً الأمر إلى جنوده) جزوا لسان هذا الضيف الصموت لكي يهنأ بصمته إلى الأبد..
- الضيف الصموت (مرتمياً على قدمي الحاكم): أتوسل إليك يا مولاي..أنا مستعد للتكلم ليل نهار إلى أن تمل من كلامي وتضجر مسامعك من صوتي الكريه, هذه الليلة طوع أمرك مثل كل الليالي وكل الناس, فاجعلها ليلة أبدية كما شئت..لساني كان ميتاً فأحياه التوسل إليك, وصمتي كان حجاباً فأزحته أنت..العفو يا مولاي, العفو يا مولاي..
- الحاكم (في غاية الاغتباط والتكبر): ها نحن قد أحيينا لسانك بالتوسل, وأزحنا صمتك بالتضرع, فجرِّب لذَّة الكلام. لكن اجعل كل كلامك مدحًا لكي تهنأ وتغنم وتسلم, فلا خير في صمت يُفوِّتُ عليك رضا مولاك...والآن اغرب عن وجهي فلا عطاء لك عندي...صمتك حرَمَكَ وتوسُّلُك أضاعَك..

(يعود الجميع إلى التمتع بأجواء الطرب والأكل والشرب. تنبعث في أرجاء القصر مظاهر المرح والإسراف في اقتناص المتع والنزوات والأهواء)


- الحاكم (مخاطباً وزيره): كيف تجري الأمور أيها الوزير؟
- الوزير: تجري على أحسن ما يرام أبها الحاكم المنصور بالله, لكن لدي اقتراح أرجو أن تتفضل بسماعه مني..
- الحاكم (بدون اكتراث): تحدث أيها الوزير..تحدث..
- الوزير: أقترح يا مولاي أن تُصدِر مرسومًا تعلن فيه أنك قد عزمت على أن تجعل من هذه الليلة ليلة أبدية, وأن تدعو الشعب إلى التنعم بالليل والعتمة والتغني بجمال البدر في تمامه, وإلى تأمل الثريا وعَدِّ النجوم التي تملأ قبة السماء..
- الحاكم (مقاطعاً): اقتراحك حظي يرضانا وقبولنا أيها الوزير..أكتب محتوى هذا المرسوم في رقعة تُقرأ على الناس في كل أرجاء إمبراطوريتنا العظيمة, وادعُ الناس أن يكونوا منذ الآن كائناتٍ ليلية بأمرنا, وحُثَّهُمْ على أن يجعلوا من ظلام الليل فرصة للحلول في الحياة حُلولَ طرب وشعر ورقص وغناء وسعادة...
- الوزير: أمرك يا مولاي..دام عزك وَدَانَتْ لك الخلائق في كل أرجاء إمبراطوريتك المصونة..
- الحاكم (يخاطب نفسه بانتشاء): ها هو الليل يرخي سدوله على الناس..وها هي حالة النوم والتخدير قد حلت مثل اللعنة في كل النفوس..وها أنا قد أضحيتُ أخيرًا أمير الليل وحاكم الظلام..أنا الحاكم الخفاش..الليل يحميني أما الشمس فتحرق ريشي وتُبْلِي ملكي..(ثم بصوت فاجر ومرتفع) عُمَّ أيها الليل..أنشر رداءك الأسود على مضارب القوم في كل مكان..أنتَ أنا وأنا بك قوي مثل الزمان..

(تعم القصر ظلمات شديدة, وتشتعل المصابيح في كل مكان. تستمر أجواء الاحتفال الباذخ إلى أن يظهر الوزير وهو يسرع الخطو نحو الملك)

- الوزير: أيها الحاكم العظيم, لدي أخبار مزعجة, أعطني الأمان يا مولاي..
- الحاكم (مقاطعاً بحدة): قد أعطيناك الأمان أيها الوزير, فهات ما عندك..
- الوزير(متلعثماً): الليل قد طال على الناس يا مولاي, وبدؤوا يشعرون بالتذمر, وتند عنهم تعليقات مشينة...ومسيئة إليك يا مولاي...إنهم يريدون طلوع الشمس وقدوم النهار..لا يريدون ليلة أبدية..أخشى أن تحصل فتنة يا مولاي..
- الحاكم (ينتصب واقفاً, يصفع الوزير بقوة, وينزل من فوق عرشه): ماذا تقول أيها الوزير الأبله؟! أنا جعلت من هذه الليلة ليلة أبدية لكي يسعد الناس ويهيموا في أجواء التغني بجمال الليل وهيبة الظلمات...أنا اخترت أن أجعل منهم كائنات ليلية لكي يدركوا أني الشمس في حرها اللافح وأني البدر في كماله البهي..
- الوزير(متوجساً وواضعاً كفه على خده خشية أن تنهال عليه صفعة أخرى): إنهم يدركون ذلك يا مولاي...كلنا ندرك ذلك..
- الحاكم: اكتب مرسوماً آخر واذكر فيه أن كل من تسول له نفسه بالتشكيك في حكمة الحاكم, وكل من توسوس له نفسه بالتطلع إلى نور الشمس ووضاءة الصبح, فإنه سينفى خارج البلاد وتصادر ممتلكاته وتنتزع أمواله...اكتب أيها الوزير الأخرق...
- الوزير: أمرك يا مولاي..
- الحاكم(بصوت حاد وغاضب): استدعوا قواد الجيش..أعلنوا حالة الطوارئ..ألقوا القبض على كل المشتبه بهم.. نكلوا بهم في كل مكان.. ابدؤوا بالضيوف أولا...

(تبدأ حالة جري في كل الاتجاهات, يلقي الجنود القبض على جميع الضيوف, تسمع أبواق وتدق طبول, وتتجاوب أصوات الألم والبكاء)

- الحاكم (صارخاً بأعلى صوته): أيها الوزير, أين أنت أيها البائس الأحمق؟..
- الوزير (مسرعاً نحو الحاكم وهو يرتعد من الخوف): لبيك يا مولاي!..
- الحاكم: ما هذا الهدير المخيف الذي يسمع خلف أسوار القصر؟ أصدقني القول..
- الوزير (متوجسا): إنه صوت الجموع يا مولاي.. الناس الغاضبون يتوجهون نحو بوابة القصر وهم يحملون السكاكين والهراوات والحجارة...ويرددون شعارات تافهة..
- الحاكم (ينتفض كمن أفاق من نوم ثقيل): وماذا تقول هذه الشعارات؟!..
- الوزير: إنهم ينادون بعودة الشمس يا مولاي..
- الحاكم (متحدثاً مع نفسه): الشمس؟!..ما معنى الشمس؟..أنا الشمس..أنا البدر...هذا الليل الأبدي هو مُلكي ومملكتي...إن طلعت الشمس زال كل هذا الملك...لن أسمح للشمس أن تطلع...سيظل الليل هو سلطتي القصوى على كل من يقع تحت سطوتي...هذه هي مشيئتي ولْيَشْربوا البحر..
- الوزير (الذي كان يسترق السمع): أنت ليلنا المجيد أيها الحاكم...ونحن كائناتك الليلية التي تنعم في كَنَفِكَ بالظلام مثل الأشباح, وتحيا تحت رعايتك في سُدُفِ العتمة والظلال مثل الخفافيش...

(هدير الأصوات الغاضبة يقترب شيئا فشيئا, يتطلع الحاكم بعينيه وأذنيه نحو مصدر الصوت)

- الحاكم: إنهم يقتربون من القصر...إنهم يتجرؤون على تدنيس هيبة الحكم...لن أسمح لأشعة الشمس أن تلامس جلدهم النتن...لن أسمح لليل أن ينزاح لأن في انزياحه هلاكي..دومي أيتها الليلية الأبدية..كوني سطوتي التي يدوم بها ملكي وتكتمل بها سلطتي الفاجرة..
- الوزير: إنهم يتدافعون أمام بوابة القصر كالموج المتلاطم يا مولاي...الظاهر أنهم لن يتوقفوا إلا إذا أمرت الجنود باستعمال السلاح..
- الحاكم (منتفضاً مثل الممسوس): وماذا ينتظرون؟ ألم آمرهم بالتنكيل بكل من سولت له نفسه التطاول على هيبتي؟! ما هي وظيفة الجند إن لم تكن هي الضرب بقبضة من حديد على أيدي الذين لا يراعون حرمة الحاكم, ولا يقدرون قيمة الليلة الأبدية التي تفتق عنها ذهني الثاقب ورأيي الصائب؟!..
- الوزير: أنت على حق يا مولاي..أنت دائما على حق...سأبلغ أمرك إلى الجنود من أجل قتل هؤلاء الغوغاء وقطع رؤوسهم وتعليقها على أبراج المدينة لكي تكون عبرة لمن لا يعتبر..

(يخرج الوزير مسرعاً وعلى ملامحه الفزع والرعب. يقف الحاكم وسط البهو, يضرب كفا بكف ويلطم خديه)

- الحاكم (يحدث نفسه): كيف لي أن أسمح بطلوع الشمس؟ لقد تحولت إلى كائن ليلي مثل الخفاش..أخاف من نور الشمس لأنها نار تحرقني وقيظ يلفحني..هؤلاء الغوغاء يهددون ليلتي, يجهضون حلمي..شيء ما في داخلي يحدثني أن الوزير متواطئ معهم...أين أنت أيها الوزير؟ أين أنت أيها الخائن؟...
(يظهر الوزير والعرق يتصبب من جبينه)

- الحاكم (مشيراً إليه بأصبعه): لقد افتُضح سرك أيها الخائن! أنت الذي جلبت هؤلاء الغوغاء إلى بوابة القصر...أنت متواطئ معهم (ثم متوجهاً نحو الجند) أيها الجنود اقتلوا هذا الخائن وقطعوا أوصاله وارموا بها فوق رؤوس هؤلاء الغوغاء...اقتلوه شر قتلة..

(يسقط الوزير مغشياً عليه من شدة الخوف والصدمة. يأخذه الجنود خارج بهو القصر, وتسمع صرخة عظيمة ثم يسود الصمت)

- الحاكم (في غاية الاضطراب): مات الخائن...مات وزيري الوفي...مات سندي في الحكم ومعيني في الجور والظلم..ماذا فعلت؟! على من أعول الآن؟ أنا أحمق..أنا غبي..أنا أخرق..يا رئيس الجند..يا رئيس الجند..ردوا إلي وزيري..أعيدوه إلي..

(يظهر رئيس الجند مفزوعاً, وهو بين التصديق والتكذيب):

- لقد قتلناه كما أمرت يا مولاي, وقطعناه إربًا إربًا ورمينا أوصاله فوق رؤوس الثوار..لقد نفذنا أوامرك وتعليماتك..
- الحاكم (صائحاً بحنق وغضب عاصفين): أيها الجبناء القتلة..أيها المجرمون السفلة! كيف سولت لكن نفوسكم الدنيئة أن تقتلوا أخلص الناس وأقربهم إلي؟! هذه جريمة...هذه خيانة...أيها الجند أقتلوا رئيسكم..اقتلوه شر قتلة وقطعوا أوصاله وارموا بها فوق رؤوس الغوغاء والهمجيين...

(يتردد الجنود لحظة, ينظر بعضهم إلى بعض بحيرة ظاهرة, ثم ينظرون نحو رئيسهم ثم نحو الحاكم)

- الحاكم (صائحاً بأعلى صوته): نفذوا أمر حاكمكم وقائدكم الأعلى أيها الجنود الأغبياء...اقتلوا هذا الخائن..لم يعد رئيسكم منذ هذه اللحظة..أنا عزلته..هيا خذوه ونفذوا فيه حكمي قبل أن آمر بقتلكم كلكم..

(يخرج الجنود وهم يجرون رئيسهم كما تجر الأغنام للذبح)

- الحاكم (يسمع أصواتًا صاخبة, وصيحات غاضبة, فيصيح بأعلى صوته):ما هذا؟ ماذا يحصل؟ أين أنتم أيها الجنود؟ لا تتركوني وحيداً..أنتم سيفي في وجه الأعداء...أنتم درعي ضد الخونة...

(تتدفق الجموع فجأة من كل مكان. يتوجه الرجال الغاضبون نحو الحاكم)

- الحاكم: من أنتم؟ من سمح لكم بالدخول إلى قصري؟ أنا الحاكم...أنتم رعاع...أنتم حثالة..!
- رجل غاضب: نحن فعلاً رعاع وحثالة لأننا قبلنا طول هذه السنوات أن تتولى حثالةٌ مثلك تسيير شؤوننا, لكن حان الوقت لكي نضع حدًّا نهائيا لليلتك الأبدية..حان الوقت لطلوع شمس يوم جديد لا وجود فيه لحقير مثلك..

- الحاكم: أيها الجنود خذوا هذا الحقير واصلبوه واتركوا الكواسر تقتات من دماغه..هيا أيها الجنود..
(يدخل بعض الجنود وبدل تنفيذ أمر الحاكم, يقومون بوضع القيود في يديه)

- رئيس الجنود: جاء الوقت لكي تعلم أن جنودك ليسوا دمىً تسهر على تنفيذ حماقاتك..سنأخذك إلى حيث تلتقي بكل أولئك الذين حكمت عليهم بالسجن, وسترى حينها كيف سيبدون ترحيبهم بك..

- الحاكم (يقاوم الجنود): أنا الحاكم أيها الخونة الأوغاد..أنا الحاكم الذي منحكم ليلة أبدية وجعل منكم كائنات ليلية مثل الخفافيش والهَوَام..لن أسمح لكم بأن تفلتوا من قبضتي الحديدية..أنا الحكم..أنا الدولة..أنا الدستور..أنا القانون..أنا ما كان وما سيكون..

- رئيس الجند (شاهرًا سيفه ونازلاً به على رأس الحاكم): أسكت أيها الحقير المتجبر..ها هو السيف الذي أطاح برؤوس ضحاياك يطيح برأسك إلى الأبد..خذ..

(تتعالى أصوات وهتافات حماسية صاخبة, وتبزغ في الأفق أشعة الشمس الدافئة)

- أصوات جماعية: الموت للظلام والظَّلَمَة...تحيا الشمس...تحيا الأوطان المفعمة بنور الحرية..
- رئيس الجند (يعتلي مكاناً مرتفعاً ودماء الحاكم تتقاطر من سيفه): أيها الناس لقد خلصتكم من الحاكم المتسلط, وقمت بما لم يجرؤ أحد منكم على القيام به..وهذا يخولني الحق في تولي شؤونكم, وتحمل أعباء حكم وتسيير البلاد..سأجلب لكم الديمقراطية وسأجعل من الإصلاح والتنمية ومحاربة الرشوة والفقر برنامج حكمي واستراتيجية عملي..

(تتعالى في الجموع هتافات هادرة وتصفيقات صاخبة)

- أصوات جماعية: يحيا الحاكم الجديد...يحيا محررنا وقائدنا المظفر..يحيا بطلنا المنصور بالله..
- رئيس الجند (متابعا خطبته): لقد أوكل إلي الله مهمة حكمكم..واختارني الشعب لأقوده نحو الحرية والنصر..وإني عازم على أن أجعل من فترة حكمي لكم فترة انطلاقة مظفرة نحو أفق جديد مرصوف بقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان...ومن أجل أن نحقق جميعاً هذا الهدف الأسمى يجب أن نعيد النظر في الدستور من أجل تفويض غير مشروط للحاكم وتوسيع أكبر لصلاحياته..وتيقنوا أنني سأسهر على أن تكون هذه الصلاحيات الموسعة التي تمنحوني إياها هي السبيل لقيادتكم نحو المزيد من التطور والتقدم والتنمية والديمقراطية التي تتطلعون إليها..
- أصوات جماعية: تحيا الديمقراطية ويحيى الحاكم الثوري الجديد...
- أصوات جماعية أخرى: الموت للمتسلقين على ظهر الشعب...الموت للمستبد الجديد..

(تسمع أصوات طلقات رصاصية, وصرخات واضطرابات. تتلاشى تدريجياً أصوات المعارضين للحاكم الجديد, وتتعالى أصوات مؤيديه)

- الحاكم: إن أعداء الحرية لن ينالوا من عزمنا, ولن يحبطوا حماسنا من أجل بناء مشروعنا الديمقراطي ومجتمعنا الحديث..لذلك قررنا أن نضرب بقبضة من حديد على أيدي كل الخونة والمناوئين الذين يعملون ضدنا وضد شعبنا في الظلام..أيها الوزير...أيتها الحكومة انصبوا المحاكم العسكرية في كل مكان..أطفئوا لهيب الخيانة في مهدها..اقضوا على كل من يسمون أنفسهم وطنيين..الوطنية هي الوجه الآخر للخيانة..الوطنية أفيون الشعوب..
- أصوات جماعية (هستيرية): يحيا زعيمنا...الموت للوطنية..الموت للوجه الآخر للخيانة..فَلْتَحْيَا المحاكم العسكرية التي تحفظ القانون والنظام..
- الحاكم (يلوح بيديه للجموع): بلدنا قوي بكم وبإخلاصكم..هكذا تكون همة الشعوب العظيمة..هكذا تبنى المشاريع الديمقراطية التقدمية المبهرة..ومن أجل أن أعبر لكم عن انخراطي التاريخي في هذا المشروع الفريد الذي سيقودنا نحو الرفاهية والتقدم والازدهار, قررت بحكم صلاحياتي الموسعة أن أجعل من فترة حكمي المجيدة ليلة أبدية خالدة..
- أصوات جماعية: يحيا المشروع الديمقراطي..تحيا الاختيارات الحضارية الكبرى...تحيا الليالي الأبدية التي لا تكتوي فيها الشعوب بِحَرِّ الشمس وقَيْظِ الهَجِيرْ..
(تستمر الأصوات الجماعية في التمجيد, وشيئاً فشيئاً تتوارى أشعة الشمس, ويخفت ضوؤها, ويحل الظلام, وتظهر على شفتي الحاكم ابتسامة مشرقة..ثم يُسدل الستار)