زعيم القتلة

 

                                                                مهزلة مسرحية من فصل واحد

 

الشخصيات :

1 – الرقيب :  في الخمسين من العمر ـ يلبس نظارة طبية ـ طويل القامة .

2 – الجندي :  رياضي الجسم في العشرين من العمر ـ طيب الملامح

3 – المهرج :  في الأربعين ـ ضخم الجثة ـ من نزلاء مستشفى المجانين .

4 – الضابط : فوق الأربعين ـ ممتلئ الجسم ـ من نزلاء المستشفى

5 – المحقق : في الخمسين ـ نحيف الجسم ـ من نزلاء المستشفى

6 – المذيعة :  متوسطة الجمال ـ متبرجة تبالغ في الزينة ـ تلبس فستانا أقرب إلى ملابس

المهرج في خطوطه وألوانه ـ تتفاصح .

7 – المراسل : شاب فوق العشرين ـ صحفي ـ طيب الملامح

8 – الأب :    فوق الستين ـ ملابسه تدل على تدني حالته المادية ـ طيب الملامح .

9 – الرائد : يلبس ملابس الشرطة ـ في الثلاثين من العمر ـ حاد الملامح .

 

المنظر :

 

[ المسرح مظلم تماما ، تسمع الأصوات من الخارج وصوت خطوات مترددة على خشبة المسرح ]

 

صوت1 :      توقف

صوت2 :      مكانك

صوت1 :      سنضرب بالرصاص

صوت2 :      سنضرب في المليان ..

صوت1 :      لن تفلت أيها المجرم

صوت2 :      اضرب يا عسكري ..

                [ صوت طلقات الرصاص يستمر للحظة قصيرة بصورة غزيرة مع إضاءة متثطعة

على المكان يختتم هذا الجو المحموم بانفجار في الخلفية ]

صوت1 :      المجرم يحاول أن يتسلق سور مستشفى المجانين

صوت2 :      إنه المسرح

صوت1 :      إنه مستشفى المجانين [ انفجار ]

                [ مع الانفجار الثاني  ترتفع درجة الإضاءة ، تبدو الخلفية عبارة عن سور يضم

مبنيين متلاصقين إلى الشمال لافتة كتب عليها [مستشفى الأمراض النفسية والـ]

وباقي اللوحة محطم بأثر الانفجار وعلى الجانب الأيمن من السورلافتة كتب عليها

[ مسرح الفن للحياة ] أسفل السور ترقد جثة المطارد مغطاة ببعض الأسمال ]

                        [ يدخل الجندي من أسفل يمين المكان متحفزا بسلاحه وخلفه يدخل الرقيب ]

الرقيب :       كن حذرا أيها الجندي .. يدك على الزناد .. عندما تحس بالخطر .. اضرب .. لا

تنتظر أوامري .. !!

الجندي :       [ متقدما في حذر ]

                أعتقد أنه مات يا سيدي الرقيب .. !!

الرقيب :       يا غبي ..!! إنهم كالقطط بسبعة أرواح ..!!

الجندي :       ومع ذلك قتلناه .. !!

الرقيب         :       [ مقتربا خلف الجندي ]

                علينا أن نتأكد ..

الجندي :       من ماذا ؟

الرقيب :       من أنه مات ..

الجندي :       هل أطلق عليه الرصاص ثانية .. ؟!!

الرقيب :       لا .. لا داعي للإسراف .. ما دام قد مات .. حرام .. !! الإسراف حرام ..!! تأكد

الجندي :       هل أسأله يا سيدي ؟

الرقيب         :       وهل يرد الميت يا غبي ؟!! تقدم واركله بقدمك .. وبحذر ..

الجندي :       [ يتقدم الجندي ويحرك الجثة بقدمه في رعب ]

                قلت لك شبع موتاً يا سيدي .. !!

الرقيب         :       [ بارتياح وهو يعلق سلاحه على كتفه ويخرج منديله القماش القذر ليمسه النظارة

والعرق ] الحمد لله .. نستطيع أن نطلب المكافأة ..

الجندي :       الشهادة لله .. الله يرحمه .. لم يتعبنا

الرقيب         :       لم يلتفت خلفه ..

الجندي         :       كأنه لم يسمع شيئا ..!!

الرقيب :       من الخوف ..

الجندي :       [ يقترب ويجثو إلى جوار الجثة يتفحصها ]

                غريبة ؟

الرقيب         :       وما الغريب ؟

الجندي :       ولا نقطة دم واحدة .. !!

الرقيب :       من الخوف ..!!

الجندي :       وليس في يده سلاح .. إنه لا يحمل أية أسلحة !!

الرقيب :       لا تكن غبيا .. [ يلبس نظارته ] هم يخفون أسلحتهم  .. في مواضع حساسة من

أجسامهم .. فتشه جيداً .. وهناك ستعثر على السلاح .. سلاحه بداخله .. فتشه

الجندي :       أتحرج أن أضع يدي في ..

الرقيب :       [ مقاطعا ] ماذا  ؟  .. تتحرج ؟  تتحرج من جثة ؟ فتشه يا رجل ..  لن يشعر بك

الجندي :       لكني سأشعر به ..!!

الرقيب :       أنت أخيب من رافقت في المناوبة من عشرين سنة .. !! لكنك ستقاسمني المكافأة

                هذا قدري على كل حال .. فتشه ..

الجندي :       لا أحب الموتى سيدي الرقيب ..

الرقيب :       لكنك تقتلهم .. ؟!!

الجندي :       [ غاضبا ] لا أرغب .. لكني أدافع عن نفسي .. أنفذ الأوامر .. أدافع عن الوطن

الرقيب :       لا تغضب يا رفيقي .. أنا أناقشك فقط ..

الجندي :       [ مقاطعا ]  في مثل هذه الساعة من الفجر .. وفي هذا الموقف .. لا أحد يحتمل  المناقشة ..!!

                        [ تبدأ ثلاثة رؤوس في البروز من خلف لافتة المستشفى في الملابس الصفـراء

المميزة لهم ، لا ينتبه الرقيب ولا الجندي إلى الحـوار الصامـت الذي يدور بين

المرضى في الخلفية بينما الرقيب والجندي يفتشان المكان بأعينهما . يبدو الاتفاق

أخيرا بين المرضى فيشير أحدهم على لوحة المسرح فيتسللون ويختفون خلـف

لافتة المسرح ]

الرقيب :       أنا لا أرى مبرراً لانفعالك ..

الجندي :       لماذا لا تفتشه أنت .. ؟

الرقيب :       ولماذا أنا ..؟!!

الجندي :       لأنك الذي قتلته ..

الرقيب :       ولماذا لا تكون أنت القاتل ؟ ألم تطلق الرصاص مثلي ؟

الجندي :       [ مشيرا إلى الجثة ] انظر .. هل ترى أثراً  للرصاص على جسده .. ؟

الرقيب :       لا .. لا أثر للرصاص على جسده ..

الجندي :       إذن .. قتلته القنبلة ..

الرقيب :       لو أن قنبلتي البريئة .. هي السبب .. ما احتجنا إلى تفتيشه .. بل كنا نحتاج إلى

من يجمعه قطعة  .. قطعة ..

الجندي :       [ مفكراً للحظة ] ربما قتله تفريغ الهواء .. الناتج عن انفجار قنبلتك ..

الرقيب :       أو الصدمة العصبية ..!!

الجندي :       أو الصدمة ..

الرقيب :       دع هذا للطبيب .. ثم لماذا المجادلة ؟ لن نختلف .. لقد أعدمناه أنا وأنت ..

وسنحصل على المكافأة ..  أنا وأنت ..

الجندي :       هذا إذا كان من القتلة .. !!

الرقيب :       بل زعيم القتلة ..!! ولماذا لا يكون منهم ..؟ هل لدى سيادة الوزير حصر بأسماء

القتلة ؟ .. إنهم يتكاثرون مثل الأنفلونزا ..  كل من حولك .. في الشوارع .. في الأسواق .. في المدارس .. في الحقول .. قتلة بالفعل أو بالصمت .. !! وحتى إن لم يكن [ يشير إلى الجثة ] هذا  من القتلة فعلاً ..  فإنه كان ينوي أن ينضم إليهم

أنظر إلى ملامح وجهه ؟ !!

الجندي  :      مرعبة ..

الرقيب         :       وجلبابه ؟

الجندي :       قصير ..

الرقيب :       وذقنه ؟

الجندي :       غير حليق ..

الرقيب :       أراهن براتبك الشهري .. إف .. أنه لم يستحم من شهر وربما سنة ألا تشم

رائحته ؟

الجندي :       عفونة لا تطاق ..

الرقيب :       يقول الرائد أنهم خنازير ..

الجندي :       [ يضع يده على أنفه ]

                إف .. ها هو ..

الرقيب :       هل اكنشفت شيئا ؟

الجندي :       مصدر الرائحة يا سيدي ..

الرقيب :       ابحث في مصدرها عن السلاح  ..

الجندي :       يبدو أنه فعلها من خوفه ..

الرقيب         :       الخوف شئ بشع ..

الجندي :       كلنا نخاف .. هل تخاف أنت يا سيدي ؟

الرقيب :       [ متلفتا حوله ] في مثل هذه المواقف .. يجب أن نتصارح .. برغم فارق الدرجة

بين الرقيب والجندي ..أنا لا أكاد أحبس ... ألا ترى مكانا يصلح لقضاء الحاجة ؟

الجندي :       خلف هذا السور صف من دورات المياه القذرة .. لكن المشكلة ..

الرقيب :       هل هناك مشكلة .. ؟

الجندي :       المشكلة أنك ستتركني وحدي .. !!

الرقيب :       [ مشيراً إلى الجثة ] لن تكون وحدك ..

                [ يسرع الرقيب مندفعاً من خلال  السور إلى مبنى المسرح ]

الجندي :       ياه .. ما أبشع الرائحة .. !![ مخاطبا الجثة مصوباً إليها سلاحه ]

                استمع إلي .. وإياك أن تتحرك .. لقد أنذرتك .. ما يزال الوقت مبكراً .. وأنا لا

أحب الظلام ..!! أعلم أن هذا مخجل .. لكن أطفالي لا يعرفون .. هم يظنون أن

نومي بينهم خوفاً عليهم من الخوف ..!! لكن الحقيقة دائما غير ذلك .. !!

[ يتأمل الجثة ]

هل يعقل أن يكون لك أطفال مثلنا؟

يقول الرائد .. أنكم لا تحبون النساء .. وربما لا تحبون الرجال أيضاً .. !! يقول

الرائد أنكم مرضى تحبون الدماء  .. وتعشقون قتلنا ..  حتى بقتلكم أنفسكم ..

طبعا لن ترد ..؟!! تتعلل بأنك ميت ..!!

[ لنفسه ] الحمد لله .. لو سمعته يرد لمت من الخوف ..!!

        [ يسرع أحد المرضى وقد لبس قنـاع المهرج وفي يده عصا قصيرة

بالدخول وعلى ظهره ورقة معلقة بملابسه كتب عليها [ مهرج ] يضع 

المهرج العصا القصيرة في ظهر الجندي ]

المهرج :       ألق السلاح ..

الجندي :       [ يسقط السلاح من يده رافعاً يديه إلى أعلى ]

                لا تطلق النار .. لا تقتلني .. !!

المهرج :       [ مقلداً الأوامر العسكرية ] خطوتين إلى الأمام .. تقدم ..

الجندي :       حاضـر ..

المهرج :       لا تلتفت .. تحرك .. خطوتان مع العد .. تقدم ..

الجندي :       [يتحرك مبتعداً عن السلاح الذي يلتقطه المهرج في خفة ]

                حاضر .. واحد .. اثنان .. واحد .. اثنان .. هب ..

المهرج :       [ يطلق ضحكة حادة طويلة ملقياً بالعصا القصيرة خلف ظهره يخرج

الرقيب بلا سلاح رافعاً إحدى يديه بينما يده الأخرى تمنع سرواله من السقوط

وخلفه المريض الثاني يمسك بندقية الرقيب  يضعها في ظهر الرقيب   ]

الجندي :       ماذا حدث يا سيدي ؟ من هؤلاء ؟

المهرج :       اخرس أيها القاتل ..

الجندي :       مممممم ما هذا العبث الصبياني ..؟!! من أنت أيها المهرج ؟

المهرج :       هو لا يعرفني ..!!

الضابط :       عظيم .. نجحنا إذن ..!!

المهرج :       طبعا .. كيف يتعرف علينا ونحن في هذه الملابس ؟!! هل تريد أن تعرف من أنا

                [ ملتفتا إلى زميله ] من أنا يا حضرة الضابط ..؟!!  قل له ..

الضابط :       قل له أنت ..

المهرج :       تقريبا أنا  .. رئيس مجلس الأمن ..

الاثنان  :       مجلس الأمن ؟!!

المهرج :       لا تصدق ؟ هه؟ .. لا بأس .. لو عرفتني ما تمكنت من القبض عليك ..

الضابط :       هل تعلمون شيئا عن الأمن السري ؟!!

الاثنان :        [ يتبادلان نظرات الدهشة ] الأمن السري ؟

المهرج :       يا سيدي الضابط .. هذان نصابان .. وربما مجنونان .. و جلبا ملابسهما  .. من

ملابس التمثيل المسرحي ..!!

[ ملتفتا إلى الجندي بصورة كاريكاتورية ]   بما لي من سلطة .. لا أعرف

مصدرها ..  ولا أنتما بالطبع .. أقبض عليكما .. !!

الرقيب :       أنا يقبض علي ؟!!

المهرج :       عليكما  ..!! مثنى أيها الغبي ...

الضابط :       ولماذا لا يقبض عليك وعلى أهلك ..؟؟!! هل سمعت عن أحد اعترض حين القبض

عليه ؟ .. نحن نقبض على من نشاء ..!! ونحبسه حيثما نشاء .. ونطلقه وقتما

نشاء .. بما لنا من سلطة .. اقترب أيها القاتل  ..

الجندي :       أنا لم أقتله ..

الرقيب :       [ جانبا للجندي ] لا تضيع المكافأة يا غبي  .. !!

المهرج :       [ بشكل طقسي ] اعترف يا بني .. فالاعتراف كفارة للذنوب ..!!

الجندي :       هو الذي قتله ..

الرقيب :       بل هو ..

الجندي :       بل أنت ..

المهرج :       اخرسا ..!!

[ بهدوء بعد لحظة صمت متعاظما ]  كل شئ سيسجل في التحقيق ..

الضابط :       تفضل سيدي المحقق ..

                [ يدخل المريض الثالث في ملابس المحقق من الواضح أن الملابس مأخوذة من

مخازن المسرح حيث نلاحظ وجود لافتة معلقة على ظهر كل ثوب ـ المهرج ـ

الضابط ـ المحقق ]

                هذا هو المحقق .. وحتى تتأكد بنفسك [ يدير لهما ظهر المحقق ] اقرأ ..

الجندي :       [ يقرأ بصعوبة ] الـ محقـ ق ..!! المحقق ..

المهرج :       أرأيت ؟ أنت قرأتها بنفسك ..!! تفضل سيدي المحقق ..

المحقق :       [ في وقار مصطنع يدخل حاملاً مائدة صغيرة ومقعداً كمقاعد رياض الأطفال

ويجلس أسفل يمين المكان ]

ما القضية يا شباب ؟!!

المهرج :       [ جانبا ] هل أنت أعمى ؟ ألا ترى القتيل الممدد على الأرض ؟ ألم تتفرج معنا

على معركة العلمين التي دارت هنا منذ قليل ؟

المحقق:        ولو ..!! هل درست القانون ؟

المهرج :       لا ..

المحقق :       هل تفهم في القانون ؟

المهرج :       لا

المحقق :       [ متعاظما ] ..أنا رجل عدالة ..!! ما القضية يا شباب ؟

الرقيب :       هل تسمح يا رجل العدالة ؟

المحقق :       نعم أسمح .. تكلم يا بني بحرية .. وبسرعة فأنا مشغول .. ماذا تريد ؟

الرقيب :       هل تسمح أن .. أرفع سراويلي ..

المحقق :       ومن يمنعك ..؟! من حق كل إنسان أن يرفع سراويله .. هذا قانون دولي .. من

قوانين حقوق الإنسان .. من حق الإنسان أن يرفع سراويله !!

الرقيب :       هذا الضابط يبدو حاد الطبع .. وقد هددني بالرصاص إن أنزلت يدي ..

المحقق :       لا تقلق .. دعه يضربك بالرصاص .. وسترى كيف أقوم بالواجب .. وأعاقبه ؟

الرقيب :       يا سيدي ..

المحقق :       [ يقترب من الرقيب ويعاونه على ارتداء ملابسه ]

                اطمئن .. كن مطمئنا .. ضميري المهني وقسمي .. يلزماني بالتحقيق النزيه ..

كما يطلبه مجلس الأمن .. لا تقلق .. فرغم ما يفرضه علي منصبي من سلوك

يؤكد الهيبة .. فأنا مضطر إلى مساعدتك كما ترى .. وبنفسي .. ليس من أجل

سواد عينيك .. ولكن لكي لا يمل المتفرجون  .. ولكي أفرغ من التحقيق ..!!

                [ يترك الإثنان السروال فيسقط فيسرع المحقق بستره بظهره ]

                استر نفسك يا رجل .. !!

أنت لا تقدر أهمية تلك اللحظة يا صديقي .. أنا أنتظر هذه اللحظة من زمن طويل

جداً .. !!

الرقيب :       أية لحظة يا سيدي ؟

المحقق :       اللحظة التاريخية التي أسألك فيها وتجيب .. أسألك وتجيب .. أسألك وتجيب

الرقيب :       هل تعرفني يا سيدي ؟

الضابط :       يا غبي .. أنت أحد المتهمين .. وهو المحقق .. فكيف لا يعرفك ؟

الجندي :       يقصد إن كنا التقينا من قبل ..؟

المحقق :       ما هذا الغباء .. هل من الضروري أن يتعارف المحقق والمتهم في كل رواية ؟

الضابط :       بالطبع لا ..

المهرج :       سيدي المحقق .. أتأمرني بقتلهما  .. أم سجنهما ..

الجندي :       ماذا ؟

الرقيب :       تقتل من ؟ وأين القانون ؟

المهرج :       لعله في فراشه الآن ..!! النهار لم يطلع بعد .. وأين كان القانون حين قتلت هذا

                المسكين ..؟!! ثم .. أنا لا شان لي بالقانون .. من قتل يقتل .. هذا ما أعرفه من

القانون .. ما رأيك يا سيدي المحقق ؟

الجندي :       سيدي المحقق ..

المحقق :       لا تزعجني .. دعني أفكر ..

الجندي :       [ هامساً ] الأمر لا يحتاج إلى تفكير .. هذا المهرج مجنون ..

المحقق :       يا ألطاف الله ..!! كيف عرفت .. ؟!!

الجندي :       الأمر لا يحتاج إلى ذكاء ..

المحقق :       بل أنت أشد ذكاء وأحق بالرتبة من هذا المهرج  الأشيب الأخرق المتعاظم ..

الجندي :       شكراً يا سيدي .. لماذا ؟

المحقق :       أنا أعيش معه منذ عشرين عاماً .. ولم أكتشف أنه مجنون .. واكتشفت أنت ذلك

في عشرين دقيقة .. إنها عبقرية !!

الجندي :       تعني أنك توافقني ؟

المحقق :       لا للأسف .. فأصول المهنة تقتضي ألا أعول كثيراً على رأي المتهم .. لكن ..

الرقيب :       [ مؤكداً ] الجميع هنا مجانين ..

الضابط :       كن أنت العاقل الوحيد واصمت .. لدينا هنا طلقات كافية .. [ مشيراً بالسلاح ]

المهرج :       ضع يدك وراء ظهرك .. والأخرى ..

الرقيب :       [ واضعا يديه خلف ظهره ] .. ماذا ستفعل ؟

المهرج :       سأقيدك طبعاً .. رجل في مثل غبائك .. لا أستبعد أن يتورط في حماقة .. وينتحر

الرقيب :       أعدك .. لن أرتكب حماقات ..

الضابط :       لا تعده .. فهولا يثق في أحد ..ألم تقل أننا كلنا مجانين ؟!!دعه يقيدك ..

الرقيب :       الأمر لله ..     [ يقيد المهرج الرقيب والجندي ]

الضابط :       تستطيع الآن .. أن تحقق بعدالة .. [ للرقيب ] تكلم ..

الرقيب :       لن أقول شيئا إلا أمام المحقق ؟

المحقق :       نعم يا روح أمك .. ؟ وهل أنا أبيع البطاطا ؟

الرقيب :       أنا غير ملزم بالحديث عن أسرار الوطن القومي أمام مجانين.. !!

المهرج :       أسرار الأوطان في المنطقة .. على المقاهي يا عاقل ..

الرقيب :       أنا لا أعرفكم ..

الجندي :       ولا أنا ..

الضابط :       ولا نحن .. ولن ترانا بعد الآن .. لسببين .. الأول لأنك ستموت يا صديقي

                قبل التحقيق أو بعده .. والثاني الثاني الثاني [ يدق جبهته بكفه ] ..

المهرج :       [ للجندي جانباً ] محظوظ .. لن يشعر بالعذاب النفسي لقتلكما .. فهو ينسى كثيرا

ها قد نسي السبب الثاني ..[ هامساً  ]  الجرعة الأخيرة التي تناولها كبيرة .. !!

الجندي :       هو مريض إذن ؟

المهرج :       أنت تقول ..

الرقيب :       سمعتك تتكلم عن جرعة كبيرة ؟!!

المهرج :       هئ هئ هئ .. جرعة كبيرة من الثقافة ..!!

الضابط         :       هأ هأهأ .. الثقافة الأمنية ..

المحقق :       كبيرة جدا .. هؤ هؤ هؤ ..!!

                [ يذهب المحقق ليجلس على منصته ]

                اكتب أيها الرئيس أقواله بدقة .. وبالحرف ..

المهرج :       كيف ؟

المحقق :       بالحرف .. ألا تفهم ..

المهرج :       أفهم  .. ولكني لا أعرف الكتابة ..

المحقق :       [ يفكر لحظة ] لا بأس .. لن أترك الفرصة تفلت مني ..[ ملتفتا إلى المهرج ] 

تظاهر بأنك تكتب ..!!

المهرج :       فكرة عبقرية ..

        [ يذهب ويجلس مكان المحقق ويرفع إصبعه مستعداً للكتابة على الهواء ]

المحقق :       ما القضية يا شباب ؟

الضابط :       [ والمهرج يكتب على الهواء بإصبعه  ]

                ضبطنا كلاً من هذا الرقيب وذاك الجندي يشنان الحرب الغاشمة على المواطن

البريء الممدد هناك .. !!

المحقق :       عظيم .. طبقا للفصل السابع من نظام مجلس الأمن المخصص لمعاملة العالم

الثالث .. إعدام .. !!

الاثنان :        ماذا ؟

الجندي :       دون تحقيق ؟

المحقق :       هذه شكليات يا رجل ..!!  سنجري التحقيق على المهل .. بعد إعدامكما .. ألم

تسمع عن الثورة الإدارية ؟

الرقيب :       هذا لا يجوز قانونا ..

الضابط :       ما هذا التعنت يا صديقي ..؟!! ألم تقتلا الرجل من دقائق  دون تحقيق .. ؟

الجندي :       عفواً سيدي .. نحن نرغب أن تتوافر لنا ضمانات العدالة ..

الضابط :       العدالة العدالة العدالة ؟ ماذا تعرف أيها الجندي عن العدالة .. هل من العدالة أن

أحتل بيتك .. ثم أساومك على غرفة فيه ..  هل من العدالة أن تبقى عشرين سنة

في حجرة قذرة يمثل عليك المرضى دور الأطباء .. هل من العدالة أن تصير فأر

تجارب للعالم الأول والثاني .. بلا مقابل  ؟

المهرج :       هو طبعا لا يتكلم عنا نحن بالذات .. لكنه يتكلم ..!! فعلى الإنسان العاقل أن يتكلم

حتى لا يصاب لسانه بالملل .. أو يضمر لعدم الاستعمال ..

المحقق:        اجلس واكتب أيها المهرج .. ما رأيك في ..

الضابط :       [ مقاطعا بآلية ] امتنع عن الإجابة

المحقق :       إعدام ..

الرقيب :       أليس لديك كلمة أخرى .. ؟

الجندي :       كما قلت .. كلهم مجانين ..

الرقيب :       أنا مستعد للإجابة في تحقيق جاد

المهرج :       هئ هئ هئ .. ومتى كانت التحقيقات جادة ؟

المحقق :       قل ما تشاء يا بني .. وسيسجله كاتبنا كما ترى بمنتهى الدقة والأمانة ..

المهرج :       [ رافعاً إصبعه ] بالحرف ..

المحقق :       سأبوح لك بسر ..[ مشيراً بيده ]  اقترب .. هذا الضابط في الأصل .. بائع صحف

لم نجد في الملابس ما يليق به غير هذا الزي الرسمي ..!! هو يناسب الزي تماماً

أنظر إليه ..!! إنه الآن ضابط بالفعل ..!! لا يعيبه أن يعمل بائعاً للعرقسوس .. !!

نعم هناك قوانين تمنع أن يمارس الضابط أعمالا غير القتل والتعذيب ..!!..  لكن

جميع الضباط في الوطن القومي  تقريباً يخالفون هذه القوانين الغبية  .. أعرف

منهم من يرعون بيوت الدعارة .. ومنهم من يزرع الأفيون .. ومنهم من يعشق

جمع التوكيلات التجارية .. وبعضهم يجمع الأسلحة غير المرخصة لبيعها للقتلة

[ يضحك طويلاً من دهشة الرقيب ]

هذا المهرج .. لا يجيد التمثيل .. كما أنه لا يعرف ما قلناه أنا وأنت من أسرار

السؤال الآن : لماذا قتلتم [ مشيراً إلى الجثة ]  هذه الكومة من البؤس ؟ 

الجندي :       هل تعرفه يا سيدي ؟

المحقق :       لا

الرقيب :       قاومنا .. فقتلناه ..

الضابط :       منطق .. !! كيف ؟

الجندي :       لم يقل لنا الرائد كيف .. الضابط  قال لي

المحقق :       [ ملتفتا إلى الضابط ] هل قلت له شيئا ؟

الضابط :       وهل أنا ضابط ؟

المحقق :       [ مقتنعا ] صحيح .. !! [ للجندي ] ماذا قال لك الضابط ؟

الجندي :       قال لي إذا قتلت عربياً بالخطأ ..أعني إرهابياً .. قل إنه قاوم .. ولم يقل لي كيف

الضابط :       من حقك علي أن أعاونك طالما أني ألبس هذه الملابس ..[ مفكراً ]  يمكن أن تضع إلى جواره سلاحاً مستخدماً .. مثلاً ..

المهرج :       ويمكن أن تبطح رأسك .. وتستأجرني لأشهد معك

الضابط :       نعم .. سنقول إن الميت اعترف قبل أن يموت ..

المهرج :       [ نافذ الصبر ] قل شيئاً من عندك .. لنصنع قصة جيدة الحبك تنهي هذا التحقيق

الممل .. فالشمس تكاد تشرق ..

الرقيب :       أتعني أن هذا التحقيق جاد يا سيدي ؟

الثلاثة :        جداً

الجندي :       لكنه مختلف ؟

الثلاثة  :       جداً

المحقق :       تطوير في الأساليب ..

المهرج :       تحيق ديجيتال .. !!

الجندي :       أنا في كل الأحوال سأقول الحق

الثلاثة :        الحق ؟ !!

الرقيب :       من طلب منك أن تقول الحق ؟ من طلب منك ذلك .. ؟  التحقيق يجري معي أنا

باعتباري قائد قوة  ..

المهرج :       [ يكتب ]  قوة الاغتيالات .. ؟!!

الرقيب :       اشطب كلمة الاغتيالات هذه من فضلك .. نحن في أمن الوطن القومي .. نحب أن

نسمي الأشياء بأسماء شرعية ..

المهرج :       قوة السلاحف ..

الرقيب :       ما تقصده .. نسميه التطهير .. الانسحاب .. إعادة انتشار .. التصفية .. التصدي

وأنا قائد قوة التصدي للقتلة ..

المحقق :       علي الطلاق  .. هذا إبداع حقيقي .. زدنا يا رجل .. !!

الرقيب :       لقد علمتنا التجارب .. ألا نسمي الأشياء بأسمائها الدارجة .. وإلا  فهم الناس

                نحن .. أعني هم .. لا يريدون ذلك .. !!

الضابط :       لا أظن أحداً هنا يعرفهم .. أساطير قديمة تجثم فوق صدور الخلق .. لا يراها أحد

لكنهم كالبوم .. يكمنون في الظلام .. يسمعون كل شئ .. إنهم المقدرون لكل شئ

في هذا العالم الغبي .. المشرعون لكل قانون ..

المهرج :       أذكر أنني سمعت مثل هذا الكلام من متسول فيلسوف .. كان يتخفى في ثوب

مندوبنا الدائم في مجلس الأمن ..!!

المحقق :       وهل تصدق الناس ؟

المهرج :       الناس يا سيدي تصدق ما تتمنى .. وما تحب .. فكل الناس يتمنون السلام ..

والعدل .. والحرية ..!! لكن ما يحدث هو العكس ..

الرقيب :       من يجرؤ على قول هذا ؟

المهرج :       الشعراء .. والمجانين .. وكتاب المسرح .. !!

الرقيب :       ومن يصدق هؤلاء المجانين .!!؟

                [ لحظة صمت ]

المحقق :       ألا يخشون أن يعرف الناس ؟

المهرج  :      الحقائق لا تكتشف إلا في الوقت الضائع .. و حينها يكون المعلم ..  والسلطان

والحمار ..  قد ماتوا جميعاً .. !!

الجندي :       إن اعترفنا بقتله ..فرضاً ..  فماذا عن المكافأة ؟

الثلاثة :        المكافأة ؟

الرقيب :       نعم المكافأة ..

[ يجتمع الثلاثة للتشاور بسرعة وسرعان ما يتفقون ويعود كل منهم إلى موقعه ]

                هيه .. من يستحق المكافأة ؟

الثلاثة :        نحن طبعاً ..

                [ يندفع على المكان مجموعة من مصوري الصحف ووكالات الأنباء والمذيعين ]

المذيعة :       سيداتي آنساتي سادتي

                من ساحة المعركة .. معركة الكرامة والشرف .. أنقل لكم وعلى الهواء مباشرة

وحصرياً ..  صورة للتحقيق الذي يجريه المحقق الدولي الفذ .. الذي تتلمذ على

يد شرلوك هلمز وكوجاك ..!! منذ قليل وفي اللحظات الأولى من فجر اليوم ..

دارت المعركة .. [ تلتفت للمحقق ]  سيدي المحقق .. هل نستطيع التحقق من

ملابسات الحادث ؟

المحقق :       طبعاً .. [ للمهرج ] ما معنى ملابسات  ؟

المهرج :       الملابس يا أخي .. !!

المذيعة :       أظن القتيل .. أعني القاتل .. أو بالأصح .. القتيل القاتل .. من أبرز عناصر

القتلة ..

المهرج :       ولماذا لا يكون زعيم القتلة يا سيدتي الجميلة ؟

المذيعة :       رائع .. أنت أحد الرجال السريين ؟ رائع أن تتخفى في ثياب المهرج ..!!؟ منتهى 

العبقرية  .. ملابس المهرج من أبرز خطوط الموضة .. لعلك تلاحظ مدى التآلف

بين ما تلبسه أنت ..  وما ألبسه أنا  !!

المحقق :       لا أراها تلبس شيئاً ..

المهرج :       في الواقع .. لم أجد من الملابس ما يناسبني غيره .. هأ  هأ هأ ..

المذيعة :       و كذلك أنا ..

المراسل :      [ للضابط ] من أنت يا سيدي .. ؟

الضابط :       أنا أمهر بائع صحف في البلد ..

المذيعة :       كما ترون سيداتي سادتي .. في رده على الزميل .. كشف ضابطنا الهمام  .. عن

خفة دم فطرية .. هو يعبر ببلاغة وذكاء عن بطولاته .. هو يقصد طبعا أنه يصنع

الحوادث التي تروج للصحف في العالم ..!! فتصوروا حال الإعلام .. إذا توقـفت

ملاحقة القتلة .. ؟!!

الضابط :       [ خجلاً ] هذه مبالغة لطيفة ..

المذيعة :       أنا لا أبالغ .. أنتم لا تعرفون مدى شراسة زعيم القتلة .. الذي تم التصدي له

اليوم ؟..  هناك قصة رواها لي تواً أحد الحضور قال إن زعيم القتلة هذا الملقى

أمامكم على الشاشة .. قضم وهو طفل إصبع معلمته .. وكان به خاتم الخطوبة ..

المحقق :       يا ساتر ..

الرقيب :       انتبه أيها الجندي  .. هكذا ستضيع علينا المكافأة 

الجندي :       والعمل ؟

الرقيب :       علينا أن نقول شيئاً ..

الجندي :       لكننا لا نعرف عنه شيئاً ..

الرقيب :       ومن من هؤلاء يعرف شيئاً .. أين خيالك ؟

الجندي :       [ يرفع صوته ليجذب الانتباه ] الحقيقة ..

الرقيب :       الحقيقة ..

المذيعة :       فاتني أن أقدم السواعد الفتية .. انظروا إليهما .. كيف يضعان أيديهما خلف

ظهريهما .. كأنهما مقيدين ..!! نسأل أولا الجندي  البطل ؟ ما دورك ..

الجندي :       في الجمعية ؟ الخامس .. دوري الخامس ..

المذيعة :       ظريف .. لا يريد الحديث عن بطولته .. أقصد دورك في المعركة ؟

الجندي :       أنا أحمل سلاحي دائماً ..!!

المذيعة :       الله .. علينا أن نحمل سلاحنا دائماً .. هل استخدمت سلاحك هنا في المعركة ؟

الجندي :       نعم .. لكنها لم تكن معركة ..

الرقيب :       [ يزيح الجندي جانباً ]

                رفيقي الجندي .. من التواضع وإنكار الذات حتى أنه أنكر دورنا ..!! لكن من حق

الرأي العام أن يعرف الحقيقة .. وما حدث بكل التفاصيل .. لم يكن معنا من شهد

المعركة غيرنا بعد أن أجمعت مصادر معلوماتنا أن زعيم القتلة سيخرج وحده ..

فهو لا يرغب في لفت الأنظار ..اعتمد المجرم على المفارقة ..

المذيعة :       رائع ..هاه

المحقق :       [جانباً للضابط ] لم يقل هذا في التحقيق ؟

الضابط :       لأنه لم يحدث ..

المحقق :       أيكذب على الهواء ؟

الضابط :       بدأت أشك  أن الحادثة حقيقية وأنهم لم يكونوا يصورون مسلسلاً .. !!

المهرج :       أنا جعت ..

المحقق :       المسلسل يعجبني ..

الضابط :       هل أنت مجنون ؟  ..

                [ ينفجر الثلاثة في الضحك ويتسللون إلى الخارج ]

المراسل :      هل كان الرجل يحمل سلاحاً ؟

المذيعة :       طبعاً .. وإلا كيف سقط السور .. ؟إنها قنبلة ؟ أليس كذلك ؟

الجندي :       نعم  .. قنبلة ..

المراسل :      مانشيت .. معركة بالقنابل .. كم كان عددكم ؟

الرقيب :       أنا وهذا الجندي ..

المذيعة :       فقط ؟

المراسل :      الطلقات تملأ المكان .. لابد أنه أطلق وابلاً من الرصاص ؟!!

الرقيب :       والقنابل ..

المذيعة :       قاومكم

الاثنان :        مقاومة عنيفة يا سيدي ..

المذيعة :       الحمد لله .. سقط أخيراً زعيم القتلة .. سيداتي سادتي .. جاءنا الآن البيان التالي

                [ تخرج ورقة من حقيبة يدها ]

                صرح مصدر مسئول .. أن القاتل الذي لقي مصرعه اليوم .. هو الإرهابي الشقي

.. عبد البديع رسلان .. وهو من أخطر عناصر التنظيم المعروف .. ومطـلوب

على ذمة العديد من القضايا ..وقد  وضعت خطة للقبض عليه .. لكنه قاوم القوة

واشتبك معهم ..  وفجر نفسه .. ومات كافراً والعياذ بالله ..

        شكراً سيداتي سادتي .. وتابعونا ..

بسرعة نلحق بالنشرة ..

[ تخرج المذيعة وخلفها المصور ويبقى المراسل ]

الجندي :       ما هذا الذي قلته ؟

الرقيب :       هم يعرفون كل شئ

الجندي :       هل تصدق أنه زعيم القتلة ؟

الرقيب :       وهل الأمر متوقف على ما يصدقه الناس .. ؟

                [ ينهمك المراسل في التصوير ] [ يدخل الأب مستنداً إلى عصاه ]

الأب :         أين هو ؟

المراسل :      من يا عم ؟

الأب :         ولدي .. القتيل ..

المراسل :      كيف عرفت بمقتل ولدك ؟

الأب :         وهل يتوه الأب عن ولده .. رأيته في البث الفضائي المباشر .. قالت المذيعة عنه

كلاماً غريباً .. وأعطته اسما آخر .. لكن ولدي عباس .. طيب ..

المراسل :      هل أنت أبوه ؟

الأب   :       نعم .. هذه هويتي ..

المراسل :      متى رأيت ابنك لآخر مرة ؟

الأب :         صلينا الفجر معاً ..

المراسل :      هل كان لابنك عمل .. ؟

الأب   :       ابني أشهر بائع جرائد بالمحطة .. عباس الأطرش ..

الرقيب :       أنت تكذب .. زعيم القتلة اسمه عبد البديع رسلان .. اقترب وانظر في وجهه

الأب :         [ يقترب ويتأمل وجه الميت ]

                هو ابني .. ابني الطيب .. الذي لا يضرب حتى أطفاله .. !!

المراسل :      هل له أطفال ؟

الأب   :       خمسة .. يعول خمسة وأمه المريضة وأنا .. يتحملنا دون أن يشكو .. فهو

لا يتكلم .. لأنه أطرش .. لا يسمع .. لكنه يستطيع أن يقرأ الشفاه ..

الجندي :       [ متأثراً ] ألا يسمع شيئا يا أبي .. ؟

الأب :         لا يا ولدي ..!! لماذا قتلوه .. ؟

الرقيب :       خطأ ..

المراسل :      ما الحكاية أيها الرقيب .. ؟

الجندي :       [ منفجراً باكياً ] كل ما سمعته لم يكن صحيحاً .. خشينا أن تضيع علينا المكافأة !

[ مبتعداً عن الرقيب ] ملعون أبو المكافأة .. قتلنا بريئاً. هل نسرق اسمه أيضا ؟!! 

[ شارحاً ] كنا في الكمين .. حاولنا أن نستوقف الرجل فلم يسمعنا .. حذرناه فلم

يلتفت .. أطلقنا عليه كل ما في بنادقنا من رصاص .. سقط ..

الرقيب :       كانت عندي قنبلة ..

المراسل :      قنبلة ؟!!

الرقيب :       اثنتان ..!! نفذت ذخيرتي .. ماذا أفعل ؟ هل أترك زعيم القتلة يهرب ؟

المراسل :      لم تكن تعرف من هو ؟

الرقيب :       لم أكن أعرف أنه عباس .. !!

المراسل :      هل قلت هذا في التحقيق .. ؟

الرقيب         :       لا ..

المراسل :      سأنشر ما قلت في صحيفتي ..

                [ يدخل أحد الضباط في رتبة (رائد)]

الرائد :         لن تنشر شيئاً ..

الاثنان :        سيدي الرائد .. !!

المراسل :      [ يبرز هويته ] أنا ..

الرائد :         [ مقاطعاً ] أعرف من أنت .. ولن تنشر شيئا كما قلت لك ..

المراسل :      من حق صحيفتي ..

الرائد   :       [ مقاطعاً في هدوء غير طبيعي ] ليس من حقك ولا حق صحيفتك أن تسأل رجلاً

من رجالي دون إذن رسمي  ..

المراسل :      أنا أبحث عن الحقيقة

الرائد   :       وهل وجدتها ؟

المراسل :      عباس الأطرش قتل ظلماً .. استوقفته القوة ولم يتوقف فقتلوه

الرائد :         خالف النظام .. لماذا لم يتوقف ؟

المراسل :      لم يسمع الكلام

الرائد :         الذي لا يسمع الكلام .. يستحق القتل ..

المراسل :      تعلم أنه أصم  .. والحقيقة مسجلة هنا .. [ يبرز مسجل الصوت والكاميرا ]

الرائد :         [ يأخذ مسجل الصوت والكاميرا  من المراسل ويخرج منه الشريط ]

                مسجل جيد .. مرتفع الثمن .. أظنه عهدة ؟!! حافظ عليه .. حتى لا يتحطم ..

                معقدة قليلا لكنها رائعة ..[ يخرج الشريط من الكاميرا ويردها إليه ]  بلا قيمة

بالنسبة لنا .. لكنها بالنسبة لك ثروة ..

المراسل :      هذا اعتداء على حرية الصحافة ..

الرائد   :       كلنا أحرار  .. الصحافة حرة .. ونحن أيضا أحرار!! أمن الوطن القومي أهم من

كل ما يتشدق به المثقفون .. اذهب واكتب ما تشاء بحرية .. لكنني وبحرية أيضا

لن أسمح لك بالنشر ..!! يا أستاذ .. ما تحاول نشره يكدر الأمن العام .. ويسئ

إلى المصالح العليا للبلاد .. ويضر بالأمن القومي وبمصالح شعبنا الطيب الصامت

الذي يدفع الثمن .. !!

المراسل :      والحقيقة ؟

الرائد   :       أجهزة إعلامنا تذيع الحقيقة ..!!بالصوت والصورة كما رأيت .. !!

المراسل :      والضحية .. ؟!!

الرائد   :       ليس لدينا ضحية يا أستاذ .. الممدد هناك .. هو نفسه عبد البديع رسلان ..

المراسل :      يا أبا عباس ..

الأب   :       خادمك يا سيدي

                [ تطل في الخلفية رؤوس المرضى الثلاثة في ملابس المستشفى ]

الرائد   :       هذا الصحفي يزعم أنك تكذب أجهزة الأمن ..

الأب :         أنا ؟.. أستغفر الله .. وماذا تقول أجهزة الأمن يا سيدي ؟

الرائد :         تقول إن القتيل هو زعيم القتلة ..

الأب  :        ولم لا ..؟!! لن يضره ذلك ..!!

المراسل :      هو ابنك يا رجل ..

الأب   :       وأنت ابني أيضاً ..

المراسل :      قل الحقيقة .. وسأنشرها مهما كلفني ذلك ..

الأب   :       يا ولدي .. ابني عنده خمسة أطفال .. هل ستطعمهم الحقيقة ؟ الحقيقة يعلمها الله

                [ جانباً ] اذهب لحال سبيلك يا ولدي .. لن تكلفهم أكثر من طلقة واحدة .. وبيان.

                ولدي مات .. ولم يكلفهم طلقة واحدة ..!! انظر .. ليس به أثر للرصاص ..  لعله

سقط على الأرض .. ومات ..!! كلنا نموت ..!!

المراسل :      [ في ذهول ناهضاً ]

                بل كلنا أموات يا أبي .. !!

الرائد :         [ ينتزع من رقبته هويته الصحفية ]

                ما دمت من الأموات .. فأعتقد أنك لن تحتاج بطاقة عضوية النقابة ..

                [ يلقي المراسل بكل ما في يديه حول الجثة شارداً خارجاً من فتحة السور لينضم

                إلى مجموعة المرضى . الأب يتابعه في إشفاق والرائد يتابع سـاخراً وقد وضع

يديه خلف ظهره إلى جوار الجندي والرقيب مثلهما تماما ]

الرائد :         مجنون .. يظن أن هناك من يسمى عبد البديع رسلان .. !!

                [ ينفجر في ضحكة مجنونة ]

                [ الأربعة من خلف السور المتهدم يصفقون بحرارة ]

                                                [ إظلام وستار ]